التطرف الفكري أقصر الطرق للإرهاب.

كيف ينتقل الفاعل المتطرف من التطرف الفكري الذي هو موقف فكري و سلوكي، إلى التطرف العنيف الذي قد يتخذ شكل فرض معتقداته على الناس بالقوة، ثم التحول من ذلك التطرف العنيف إلى العمل الإرهابي وممارسته؟
يجيب عن هذا السؤال، الباحث (كمال الحبيب) في العلوم السياسية ومهتم بشؤون الجماعات والتجديد الديني، في بحث له بعنوان (من التطرف الفكري إلى الانتهاك الجسدي الإرهابي)، موضحا أن: عملية الانتقال من التطرف الفكري إلى الانتهاك الجسدي الإرهابي هي عملية متدرجة ينتقل فيها الفاعل المتطرف من مرحلة إلى أخرى ومن درجة إلى أخرى، بيد إن التنظيم المتطرف هو الذي يمنح الفاعل المتطرف مجالًا جديدًا ينقله من التهميش والعزلة إلى شعور بالمكانة والهيبة والتمكين ويمنحه دورًا جديدًا في الحياة يعطيه مؤقتًا شيئًا من الثقة و التعزيز، لكنه ينزع منه حريته ويجعله ترسًا في آلة التنظيم القاسية التي تحمله من أمره رهقًا.
التطرف الفكري هو تبني أفكار تمثل خروجًا على ما هو سائد في المجتمع ومقبولًا من كافة أبنائه، وتمثل خروجًا على الدستور والقانون.
التطرف الفكري سلوك مخالف للعامة
ومن هنا فإن التطرف الفكري هو سلوك سبيل مخالف لعامة الناس وأغلبيتهم في العبادات والعادات وطرائق الحياة، واعتبار أن هذا السبيل المخالف هو الحق والصواب الذي لا صواب غيره، ومواجهة المجتمع بإعلان هذا السبيل المخالف والسعي للنفاذ به إلى قطاعات من المجتمع لإقناعها به، والانضمام إلى القائلين به والداعين إليه.
يظل المتطرف فكريًا فردًا، وقد يكون مع الرفاق شبكة في القاعدة، تحمل أفكارًا متطرفة ذات طابع ديني في الحي وفي الجامعة أو في المصنع أو في المؤسسة التي يعمل بها، بيد إن هذه الشبكة تنشط في القاعدة وأسفل المجتمع، حين يكون هناك ما نُطلق عليه «التنظيم الكبير» الذي يحول عملية التطرف الفكري من حالة فردية أو شبكية لا تمثل تهديدًا حقيقيًا، وقد تتعرض للتفكك في المستقبل – إلى حالة نشطة منظمة يمنحها تاريخه وقوته وعلاقاته وقادته وعقله الاستراتيجي، وخبرته ومن هنا تأتي أهمية وخطورة التنظيم المتطرف.
هنا التنظيم المتطرف يمثل بما يملكه من قيادة وتشكيلات و مؤسسات، وبما يملكه من أيديولوجيا وبما يملكه من قدرات وإمكانيات مالية وتنظيمية و روحية، عوامل للتعبئة والحشد والتجنيد والبث الفكري عبر الإنترنت والإصدارات الإعلامية المرئية و المسموعة، ولا ريب أن التنظيم هو جماعة أكثر إحكامًا وضبطًا وقدرة على توجيه أعضائها والسيطرة على سلوكهم و توجيهم، بما في ذلك الانتقال من التطرف الفكري إلى الانتهاك الجسدي والقتل.
الجماعات تمارس سلطة على الأعضاء
يقول كاس. ر.سينشتاين «عندما يجد الأفراد أنفسهم في جماعات ذات أنماط من التفكير المتشابه، فإنه من المرجح في هذه الحالة بالذات أن ينتقلوا إلى الحدود القصوى للتطرف وعندما تشتمل أمثال تلك الجماعات علي سلطات تأمر الأعضاء بما يفعلون أو تضعهم داخل أدوار اجتماعية معينة، فإن أمورًا سيئة جدًا يمكن أن تحدث».
المتطرفون فكريًا هم أقلية معزولة على هامش التيار الرئيس للجماعة، فالعزلة هي أهم السمات للشبكات والمجموعات والتنظيمات المتطرفة فكريًا ومن المفترض أن يقود المتطرفون فكريًا تشابههم في طريقة التفكير وعزلتهم الذاتية وانفصالهم عن الجماعة الرئيسة إلى مزيد من التطرف يُعرف بأنه »استقطاب الجماعة».
هناك آلية التعزيز، والتي تقود إلى أن الفرد يعزز أفكاره، إذا سمع لآخرين يشاركونه نفس الأفكار، ويقول مارك سيجمان: «إنه في مراحل معينة، فإن التفاعل بين مجموعة من الأشخاص يعمل مثل الغرفة التي يتردد فيها صدى الصوت بطريقة تجمعهم بشكل راديكالي وتصاعدي يصلون إلى النقطة التي يكونون فيها علي استعداد للانضمام لأي تنظيم إرهابي».
الإرهابي حين يصبح إرهابيًا يبدو تنظيمه وكأنه شركة، بينما هو يقوم بعمله داخل الشركة كما لو كان موظفا فيها.
التأثير البلاغي داخل الجماعة
هناك ما يُطلق عليه التأثير البلاغي في النفس داخل الجماعة أو التنظيم، فحين يكون الفرد موجودًا داخل الجماعة، فإن مهندسي البلاغة والخطابة القادرين على التأثير في النفس والعقل للأفراد يجعلونهم أكثر قبولًا لما يريده منهم.
التطرف الفكري يحمل في داخله بالضرورة احتمالات ميل إلى العنف، وحين ينتقل الفرد المتطرف فكريًا ليصبح جزءًا من شبكة أوسع ثم تنظيم أكبر، فإن هوية جديدة لديه تولد بالانتماء لتلك الجماعة أو التنظيم الذي قبله ليكون عضوا فيه.
التنظيم أو الجماعة المتطرفة لا تخلق فقط هوية مشتركة وحميمية بين أعضائها، واستقطاب نحو أفكارها المدعومة بما يمكن أن نطلق عليه «وهم الإجماع»؛ أي خلق رأي واحد للجميع دون منازعة أو اعتراض أو مناقشة «فمن يعترض يُطرد فورًا».
وهذا الإجماع المتوهم يقود إلى ما يُطلق عليه التوقعات المبالغ فيها ببشائر النجاح، وأن تحقيق حلم الخلافة المفقود أصبح بين قوسين أو أدنى، وهو ما يقود إلى مزيد من التعبئة والحشد والتجنيد، والمضي قدمًا نحو مزيد من الأعمال الإرهابية وأعمال القتل والتفجيرات الانتحارية.
التنوير_موقع حزب الحداثة.