لقاءات وميديا

حوار حول الدور التركي في سوريا مع رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية

بدأت تركيا احتلالها للأراضي السورية من مدينة جرابلس التي كانت ممرًا لعبور الإرهابيين الأجانب إلى سوريا في24 آب 2016، واحتلت فيما بعد مدنًا أخرى وتسعى إلى احتلال المزيد. فكيف استغلت أنقرة الموقف الدولي والسوريين ومن بينهم بعض الكرد الذين تحولوا إلى مرتزقة، مطية لتحقيق مصالحها وكيف يمكن إيقافها عند حدها؟

في 24 آب/أغسطس عام 2016 بدأت تركيا أولى احتلالاتها للأراضي السورية، حيث دخلت الدبابات والآليات التركية ومعها المرتزقة السوريون إلى مدينة جرابلس الواقعة على الحدود مع تركيا.

إنقاذ للإرهاب

وجاء هذا التدخل التركي المباشر بعد أن حرر مجلس منبج العسكري مدينة منبج من مرتزقة داعش الذين تراجعوا إلى مدينتي الباب وجرابلس اللتين بقيتا سنوات عديدة ممراً لدخول الآلاف من المرتزقة الأجانب وأسرهم من تركيا إلى سوريا ومنطلقاً لمهاجمة المناطق السورية الأخرى.

وظل مرتزقة داعش في مدينتي جرابلس والباب مدة 5 أعوام تقريبًا، وأكدت التقارير والوثائق استخدام تركيا لهذه المنطقة كمعبر لإغراق المناطق السورية بالإرهابيين الأجانب، في تكذيب مباشر للادعاءات التركية بأنها تدخلت لمحاربة داعش، إذ سقطت المدينة خلال ساعتين فقط عبر مسرحية أعدت لها تركيا بشكل جيد برفقة مرتزقتها، فما جرى في جرابلس كان عبارة عن خلع داعش لملابسه وارتداء ملابس مرتزقة تركيا الآخرين.

ويُجمع المتابعون للوضع أن الاحتلال التركي لجرابلس جاء بهدف محاربة قوات سوريا الديمقراطية ومنعها من تحقيق الهزيمة الكاملة لداعش الذي تلقى التمويل والدعم من تركيا منذ البداية.

ضوء أخضر أميركي وتأييد من قبل البرزاني

وأقر مسؤول تركي وقتها بأن الهجوم الذي أُطلق عليه اسم “درع الفرات” نجم عن رغبة تركيا في منع قوات سوريا الديمقراطية من تحرير جرابلس.

وترافق ذلك التدخل مع زيارة لنائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن إلى تركيا والذي سعى في تلك الزيارة إلى تبديد أي شكوك حول علاقات الولايات المتحدة مع تركيا، حيث أبدى دعمه المباشر للتحركات التركية في سوريا.

كما سبقها في23 آب 2016، وصول نيجرفان البرزاني الى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية تلبية لدعوة رجب طيب أردوغان.

وبحسب وسائل الإعلام، أبدى نيجرفان البرزاني تأييده للتحركات التركية وهاجم حزب العمال الكردستاني، بعد أن كان مسعود البرزاني نفسه قد ادّعى في وقت مبكر من عام 2013 بأنه لا توجد ثورة في روج آفا، وأن مرتزقة تركيا من الجيش الحر لم يرتكبوا مجازر بحق الكرد في تل عران وتل حاصل.

إعادة للتاريخ

ولم يأت اختيار يوم 24 آب موعدًا لبدء الاحتلال التركي للأراضي السورية عن عبث، فهذا التوقيت صادف مرور500 عام على معركة “مرج دابق” التي انتصر فيها العثمانيون على المماليك، وبعدها بدأ الاحتلال العثماني لسوريا الطبيعية، ومن ثم العالم العربي، والذي استمر حوالي 400 عام، سادها الفقر والتخلف.

وكما قبل 500 عام، حيث كانت معركة مرج دابق بداية للاحتلال العثماني الطويل لكامل سوريا والعالم العربي، عملت تركيا على قضم المزيد من الأراضي السورية.

وثبتت وجودها في أرياف إدلب وحلب واللاذقية وحماة عبر اتفاقية ما تسمى خفض التصعيد بالتعاون مع روسيا وإيران، بالإضافة إلى احتلالها لجرابلس وعفرين وسري كانيه وكري سبي في تواطؤ روسي أميركي وغربي.

وحول ذلك قال المعارض السوري ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا فراس قصاص: “العقد الأيديولوجية الاستعلائية وإرادة الهيمنة لدى حكومة العدالة والتنمية التركية والعمل من أجل تحقيق مصالحها كحكومة وطبقة سياسية تريد استدامة شغلها لموقع السلطة في تركيا”.

وأضاف: “وقفت هذه العوامل مجتمعة خلف بنائها لموقفها من الحدث السوري، وتحكمت لاحقًا سواء بدعمها لقوى الإسلام السياسي الجهادي التكفيري أو الإخواني وبكل سياساتها العدوانية والاحتلالية التالية، ضاربة بعرض الحائط مصلحة الشعب السوري، ومنتهكة لإرادته، ولم تقف في السياسة في كارثيتها عند أي حد”.

تحريف مسار الثورة وإغراق سوريا بالإرهاب

واستغلت تركيا معبر جرابلس لإدخال الآلاف من الإرهابيين الأجانب الذين أنهوا ما تسمى المعارضة السورية وهيمنوا على المشهد السوري.

وفي هذا السياق قال قصاص: “الأمثلة كثيرة وواضحة تلك التي توضح كيف أثرت تركيا على مسار الثورة السورية لقد احتلت مناطق واسعة من سوريا، ودعمت داعش والنصرة بشكل مباشر وغير مباشر. واحتضنت قوى الإسلام السياسي ووفرت لها غطاء سياسياً. وتواطأت على الثورة السورية بتسليم مناطق رئيسة كانت تسيطر عليها مقابل السماح لسياستها الاحتلالية بالعمل والتخريب”.

وأضاف: “غيرت الأبعاد الديمغرافية والأثنية والثقافية التي تميز المناطق التي احتلتها في بلادنا ووضعت مكونات سورية في مواجهة بعضها البعض مهددة قيم العيش المشترك ومشعلة لفتيل أزمة ثقة وتناقض لن تنتهي بسهولة”.

أستانا يسهّل عملية الاحتلال والقضم وتركيا تقر بذلك

وبعد احتلالها لجرابلس والباب، اتفقت تركيا مع روسيا وإيران عبر أستانا واتفاق ما يسمى “خفض التصعيد” على تقاسم النفوذ والكعكة السورية.

حيث احتلت تركيا عفرين مقابل تسليم الغوطة لحكومة دمشق برعاية روسية ونقلت المرتزقة وأسرهم من ريف دمشق إلى الشمال السوري المحتل.

وفيما بعد احتلت تركيا سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض مقابل تسليم مناطق في إدلب لحكومة دمشق في سيناريو مشابه لما حدث في عفرين والغوطة.

وأقر رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو بأنه تم التخلي عن حلب وإفراغها من سكانها مقابل سماح الروس بما تسمى عملية درع الفرات.

وأشار قصاص إلى أن مسار آستانا “لم ينتج للسوريين إلا مزيدًا من تردي أوضاعهم وتعقيد مسار ثورتهم وتعظيم فاتورة تضحياتهم ومفاقمة عذاباتهم إلى درجة مهولة”.

وأضاف: “لم يكن بناء التفاهمات بين روسيا وإيران وتركيا في سياق هذا المسار ممكنًا إلا على حساب مصلحة السوريين ومصير سوريا، ولن يأتي مستقبل واعد تنتظره البلاد مالم يستنفذ هذا المسار رهانات رؤوسه الثلاثة، ويصبح لا مفر من وضع حد لنهاية الاستعصاء الذي يعيشه الوضع السوري حتى الآن”.

من معارضة إلى مرتزقة

وحول دور ما تسمى المعارضة قال قصاص: “تركيا استتبعت غالبية المعارضة السورية السياسية وحولت فصائل عسكرية متعددة إلى مجرد مرتزقة أو عملاء يقومون على تنفيذ سياساتها بالضد من مصلحة أهلهم وبلدانهم. لم تتورع تركيا عن فعل أي شيء يلحق الأذى بالثورة السورية وبالبلاد وبالشعب السوري بكل مكوناته”.

وتابع قائلًا: “للأسف استتبعتها تركيا وحولتها الى مرتزقة وعميلة وكان دورها كارثيًّا ومأساويًّا. وأظهرت المعارضة خلال ذلك هزالها وتهافت بنائها وضعف هياكلها واهتراء إرادتها وضربها لمصلحة شعبها وبلادها في مقتل. وبانت عورتها في ليبيا وأرمينيا وأفغانستان وظهرت عميلة وعارية عن أي وجه عاقل أو أمين، ولم تظهر أي انتماء صادق لسورية ووفاء لشعبها”.

دمشق وأنقرة.. انسجام رغم العداء

وخلال السنوات الماضية، التزمت حكومة دمشق الصمت باستثناء بعض البيانات التي تؤكد على السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، بينما كانت تركيا تقضم هذه الأراضي وترفع الأعلام التركية وتمارس سياسة التتريك فيها، وتفرض عليها اللغة والعملة التركية وتمنع التداول بالعملة السورية.

قصاص قال في هذا السياق: “لا أستغرب أي موقف يصدر عن النظام السوري ويقوم على التفريط بمصلحة سورية لا تسمح بنية النظام الأيديولوجية ولا تراثه السياسي ولا يفيد تأسيس علاقة لرأس النظام والدوائر الرئيسة التي تحيط به مع السلطة تقوم على اعتبارها ميزة وملكًا حصريًّا لا وظيفة اجتماعية تتوخى الصالح العام”.

وأضاف: “لا يفيد إلا إعطاء كل عمل وموقف يصدر عن هذا النظام صفة مفرطة أو هدامة وهو ما يتفق بالمعنى الموضوعي للكلمة مع مواقف تركيا وما تقوم به وتحمله للبلد ولمكوناته. وكأن الطرفين منسجمان بل ومتفقان رغم عدائهما على المسألة السورية، فكل منهما يريد تقوية مواقع تسلطه ونفوذه على حساب السوريين وشروط حياتهم ومستقبلهم وكرامتهم”.

إخلاء غرب الفرات من معارضي النفوذ التركي

ويرى مراقبون أن دولة الاحتلال التركي وبضوء أخضر من الغرب وحلف الناتو تسعى إلى تهجير الكرد والسوريين الوطنيين من المنطقة التي يطلقون عليها غرب الفرات في تقسيم واضح للأراضي السورية، بهدف جعلها منطقة خاضعة للاحتلال التركي.

وعلى الرغم من ذلك، يرى قصاص أن “صمت أعضاء الناتو على تركيا والاكتفاء بعدم الموافقة أو الإدانة اللفظية لما تفعله تركيا إزاء مناطق الإدارة على نحو التحديد، مرده إلى ضيق الحدود التي يمكن أن تتدخل فيها هذه الدول تبعًا لآليات صناعة القرار فيها، وتبعًا لمعارضة شعوبها والتورط في صراعات بعيدة مكلفة ماديًّا وبشريًّا وغير مهمة ولا تؤثر مباشرة على حياتها”.

المطامع التركية لن تنتهي

وتواصل تركيا هجماتها الاحتلالية على مناطق شمال وشرق سوريا وتصعّد هجماتها ضد شعوب المنطقة وتحشد باتجاه مناطق تل تمر وزركان.

قصاص أكد أن “المطامع التركية لن تنتهي ولن تتوقف عند أي حد أبدًا. ما يمكن أن ينتهي هو قدرتها على تحقيق هذه المطامع. ولن تستطيع تركيا على الرغم من عوار سياساتها وإجرامها تجاه سورية واستعدادها لكل انتهاك وفعل ينافي القانون الدولي ويخرق ثقافة حقوق الإنسان من تحقيق ما تريده. ولن تشبع أطماعها، وستهزم بلا شك وستقف عاجزة أمام نهمها في احتلال المزيد من الأرض السورية”.

موقف دولي مختلف بحسب البيادق والأولويات

وحول موقف القوى الدولية من السياسة التركية في سورية قال قصاص إنه “مختلف باختلاف هذه القوى وتعارض مصالحها، فروسيا على سبيل المثال تتصارع مع تركيا في مساحة الاتفاق المشتركة بينهما في الوضع السوري. فتتوافقان وتتبادلان المصالح والمواقع بحسب قراءة كل منهما لبيادقها وأولوياتها. في حين تتوافق الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الغربيون مع تركيا في مواضع عديدة تخص الشأن السوري وتختلف في مواضع أخرى، لا سيما الموقف مما يجري في مناطق الإدارة الذاتية من تجربة ومن قوى فاعلة ومتفاعلة هناك”.

وأضاف: “في حين تظل الصين كقوة دولية رئيسة ناشطة في الوجه السياسي للحدث السوري بشكل يتعارض مع الدور التركي في البلد لكن دون تماسات أو تعارضات خارج المساحة السياسية تلك”.

ورأى أن الصمت الدولي عن الجرائم التي ارتكبها النظام التركي في سوريا “لا يشكل رضى دوليًّا عن السياسة التركية بل استجابة عملية لعدم رغبة معظم هذه القوى في الدخول إلى أتون النار السورية وغياب المصلحة والدافع لذلك في ظل ماكينة دولية لها مشروطيتها ودينامياتها وقوانينها”.

وأضاف: “بتصوري إن السياسة الأميركية في عهد بايدن ملتزمة أكثر بالوقوف بحزم في وجه تركيا فيما يخص مناطق الإدارة الذاتية من سابقتها إدارة ترامب، ولا أتوقع لها أن تسكت إذا ما حاولت تركيا متابعة سياساتها العدوانية التوسعية ضد الإدارة الذاتية”.

رسالة إلى السوريين

وطالب المعارض السوري فراس قصاص الشعب السوري بـ “التنبه لخطورة السياسات التركية إزاء سورية وعدم الركون إلى أن عداء النظام التركي لنظيره السوري هو بالضرورة يصب في مصلحة الشعب السوري والثورة السورية، فعدو عدوي في أحيان كثيرة ليس صديقي؛ بل قد يكون عدوي أيضًا، وربما ليس من وضع يلخص تلك المعادلة الأخيرة أكثر من مثال النظام التركي والنظام السوري في سوريا وموقفهما المعادي لمصلحة السوريين رغم عدائهما الجاد إزاء بعضهما البعض”.

وقال قصاص مختتماً حديثه: “بعد التنبه إلى ذلك على السوريين الإدراك بأن وقوف مكوناتهم إلى جانب بعضها البعض وإيمانها بقيم العيش المشترك وبمستقبل يليق بآدمية الشعب السوري وحقه في حياة كريمة وعادلة يجب أن يمر ويتأسس على مواجهة الدور التركي في سوريا وعلى مناهضة آثاره بكل الأدوات والوسائل المتاحة”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate